عسل في الكوز

عبد الصبور بدر يكتب: الصراحة قاتلة كالبنادق

عبد الصبور بدر
عبد الصبور بدر

الإنسان الصريح هو شخص منبوذ بين الناس، لأن الصراحة تعني ببساطة إيقاظ الحقيقة، والحقيقة امرأة جميلة نائمة، بمجرد أن توقظها تصاب باللعنة، ويطردك الناس من حياتهم. 

والصراحة تسببت في خراب بيت مسعود بطل فيلم "أرض النفاق" المأخوذ عن رواية يوسف السباعي، وفي حوادث وحرائق وانهيار العالم في مسلسل " The Sandman" المقتبس من روايات الكاتب الإنجليزي نيل جيمان حين تعامل بها الجميع؛ لأن الصراحة مفتاح الحقيقة، والحقيقة لغم شديد المفعول ينفجر ويدمر صاحبها؛ ولذلك فإن العبد لله من أشد المعارضين لأغنية الفنانة مروى "الصراحة راحة".

ملاحظاتي تقول إن أغلب من وقعوا في فخ الصراحة ندموا ندمًا شديدًا على ما فعلوا وتابوا ورجعوا؛ لأن الحقيقة تؤذي من ينطق بها إيذاء شديدًا ليست لديه قدرة على احتماله، أما إذا أصر عليها فهو يذهب كالمجنون بقدميه إلى الهلاك. 

العاقل فقط من يخلط الحقيقة بالأكاذيب حتى يبطل مفعولها، من يستر جسدها العاري بثوب جميل وأنيق من أجل أن يتجنب الصدام وهو يهديها إليك، من يتخلى عنها تماما إذا شعر بالخطر يحيط به من كل اتجاه!

تخيل – سيدي القارئ – لو أنك استيقظت من النوم وقررت فجأة أن تكون صريحًا مع من حولك لمدة 24 ساعة فقط، هل تستيطع – فعلا – أن تتعامل في ذلك اليوم بكل ما بداخلك وتنجو؟!.. سيكون لديك ثلاث مواجهات حاسمة: البيت مع زوجتك وأولادك، وفي الشارع مع كل من تقابله في طريقك، وفي العمل مع عملائك وزملائك ورؤسائك!

لقد اكتشفت أننا لسنا في حاجة أصلا إلى الصراحة؛ لأننا ببساطة لا نصدق إلا من يكذب علينا، فنقربه منا، ونتخذه حارسا على مزاجنا وسلامنا النفسي، في الوقت الذي نعتقد فيه أن الصرحاء هم أعداء الحياة.

لقد اكتشفت أيضا أننا من شدة كراهيتنا للصراحة نكذب على أنفسنا، ونطلب من الآخرين أن يصدقونا، ومن يتجرأ ويصارحنا بحقيقتنا، ندرك على الفور أنه شخص حاقد وسوداوي يملأ قلبه الغل وربما نقرأ آيات من القرآن في سرنا حتى نحمي أنفسنا من عينيه الحسودتين!